نحن بالتاكيد لانختار مصائرنا , فنحن مجرد كلمات يكتبها القدر دون قدرة لاي مخلوق ليس تبديل ماكتب بل حتي الادعاء العلم بما يحمله السطر التالي من كلمات ...
ربما لا يوجد مخلوق يشعر ما احس به , إن كلمة الالم وحدها لا تكفي لتعبر عن مشاعري عندما كنت اتلصص خلسة الي حجرتها لاطمئن عليها بينما هي تجلس علي سريرها واشهد دموعها المتساقطة علي لوحة المفاتيح , كنت احرص حينها علي الا تراني حتي لا ازيد من الآمها , فانا كنت اعلم مدي حرصها الا يري دموعها مخلوق ..
وكان اكثر ما يزيد من شقائي ما كنت اشعر انه عتاب صامت تحمله عينيها الصافيتين كقطرات المطر وهي تنظر الي وكأنها تتهمني بتقصيري في حقها عندما سمحت لهذا المرض اللعين ان يكتم انفاس الحياه في الجزء السفلي من جسدها , عندما تأخرت في رد الفعل ازاء تلك الحمي التي اجتاحت جسدها الضعيف , وانا اتصور انها مجرد سخونيه نتيجة نزلة برد طارئه ..
ربما اكون ادرك واؤمن ان هذا قدرها التي مهما كان تصرفي حينها فهو مقدر لها دون اي تغيير لمساره فان الحزن دائما يترك باب الامنيات الضائعه مواربا امام افكارنا المجنونه , فتكون "لو" خنجر يعبث بجراحنا فتعاود نزفها في الم ووجع يتجاوز قدرتنا علي التحمل
ربما تندهش سيدي لماذا ارسل اليك تلك الرساله ولماذا احكي لك كل تلك التفصيلات المؤلمه لكنك بالتاكيد ستفهم كل شئ مع اخر سطور الرساله , اني لا اتهمك اي اتهام فربما كنت مثلي لا تعلم اي شئ ..
فانت لا يمكنك تصور حال ام تجد ابنتها مخضبة بالدماء حيث شرايينها تنزف في غزاره وجنون وكأنها في موعد قدري مع الموت , حينها فقط علمت كيف يتوقف الزمن بانسان بعد ان تخذله كل حواسه فجأه , ولولا بعض من قوه حاولت استجماعها حينها للتشبث باخر خيوط الامل في انقاذها لكنت سقطت مثلها في غيبوبه ابديه تحت هول الصدمه ..
اسمح لي تجاوز هذه النقطه الان , فمع اعادة استحضاري هذا المشهد ثانية امام عيني الان , اشعر برعشه بارده تجتاح كل اطرافي ..
لذا سابدأ حكايتي بعد عدة ايام من الحادثه , عندما ذهبت لحجرتها التي ظلت عدة ايام مغلقه دون اسمح لاحد بالاقتراب منها , وكأني استعيد شبح ملامحها المطبوعه علي وسادتها او ربما اجد اثار دموعها المنسكبه علي حاسبها النقال والذي صار رفيقها الوحيد في ليالي الشتاء البارده المظلمه تهمس له باسرارها وبوح المها بعد ان رفضت كل محاولتي اليائسه ان ابقي برفقتها بل صارت تتحاشي لمساتي الحانيه الدافئه لجسدها , وكان هذا يعذبني اكثر دون اجد تفسير له
وربما عبثي حين ذلك لاول مره بحاسبها النقال اشبه بموعد قدري لاستكشف غور ابنتي التي صارت في السنين الاخيره لغز صامت يعيني فهمه
لقدت وجدت الملف الخاص بمذكراتها اليوميه وساقتبس منها بعض الفقرات لعلها تفسر لك كل شئ
- لا اعلم سر تلك الراحه الغريبه التي احس بها الان وهو يحدثني , وكأني اعرفه منذ زمن بعيد , فمعه يتسرب الوقت من بين يدي ,اعلم انه ليس من حقي ان احب , لكني لا استطيع تفسير ماهية تلك المشاعر اللذيذه الممزوجه بالقلق التي التي بدأت تتكون داخلي , حاولت كثيرا ان ابتعد , لكن هناك قوه طاغيه غير معلومه تجعلني اتراجع ثانيه لابقي مأسوره بسحر عالمه
- يجب ان ابتعد اني اشعر اني اشبه بفراشه ترقص رقصة الموت الاخيره حول اللهب , تاخذها نشوة الالوان ودفء النيران دون ان تبالي ان هذا بداية الاحتراق
- احبه نعم احبه بجنون وكنت علي وشك الاعتراف له عندما باح لي بها لاول مره , كنت علي وشك ان اقول له اني احبه بدرجه تفوق اي تصور له ,انا الذي جعلت من الحب تابو محرم علي نفسي قد غرقت في رماله المتحركه دون ان اجد منه فكاكا او خلاص
- ان مقاومتي في طريقها للانهيار امام مشاعر حبه الجارفه , اخشي ان تخزلني حروفي فتسقط في فخ الاعتراف , وحينها علي ان احكي له كل شئ عني وربما يجعله نبله يزداد تمسكه بي فاكون سبب في شقائه وتعاسته ...
- يجب ان ابتعد عنه للابد , لن اقبل ان يتألم قلبه من اجلي , انه لا يستحق هذا ..
- لا اعلم ايهما اقسي عليه واشد الما ,ان اعترف له بكل شئ ثم ابتعد للابد , ام ابتعد الان في صمت فاترك لهواجس الشك تلك المهمه التي فشلت بها ان انتزع حبي من قلبه , بالتاكيد قلبه سينزف لبعض الوقت , لكن الايام وحب جديد سيجد طريقه لقلبه قادر علي تضميد جراحه
لكن ماذا علي انا .. هل اتحمل قراري بالبعد عنه لاتجرع كاسي من الموت البطئ , بالتاكيد لم يكن حبي له اختيار , بل ان حياتي كلها كنت دائما فيها مسلوبة الاراده , ان ارادة الموت تغريني , باني يمكن في لحظات ان انهي صفحات شقائي الطويله , لاحرر روحي من اسوار هذا الجسد المنهك المعتل بالانين والجراح ...
لا يمكن ان اضعف , فانهاء حياتي ليس من حقي , وهي خطيئه لا تقبل الغفران ...
لكني اتالم واتعذب ويدمي قلبي بنزف يصعب علي اي بشري ان يتحمله ...
اني بدأت بالفعل اخطو اولي خطواتي في درب الجنون , رحمتك يا الهي ......
اللهي سامحني ...
ربما يكون كتابتي لك تلك الرساله اشبه بمحاولة غريق التعلق باخر خيوط الامل , فربما تكون انت نقطة النور الوحيده التي يمكن ان ترشدها للخروج من متاهة هذا النفق المظلم التي باتت ترفض مغادرته
توسلات من قلب ام يئن
ارتعشت اصابع مصطفي وتعالت دقات قلبه ما ان انهي قراءة الرساله الاكترونيه علي حاسبه الشخصي وقد احس كأنه تعرض لصاعقه كهربائيه مفاجئه , وبدت عينيه كعين تمثال بلا اي اثر للحياه وقد اخذت صور الذكريات ترتعش امام عينيه كشريط فيلم سينمائي ردئ الصنع ..
لقد احبها بجنون لكنها اهانت كبرياؤه بقسوه ثم طعنته بمشاعر بارده بخنجر الخيانه , وقرر من حينها ان يجعل الحب لعبته فاتقنها وبرع فيها وكانت الشبكه العنكبوتيه هي الشبكه التي يلتقط بها ضحاياه وكان الاعتراف بالحب من جانب الضحيه يعني له ببساطه ان الفريسه وقعت في الشرك , لكنها هي طالما اتعبته وكلما احس انها علي وشك الاعتراف له بحبها اذ بها تتراجع مرة اخري ثم مالبثت ان اختفت فجأه وقد تصور حينها ان الفريسه هذه المره هربت قبل ان تسقط في فخه , لكنه اكتشف الان ان الفريسه بينما كان يطاردها كانت تنزف حتي الموت وربما غيرها ممن ذبحهم ببطء بسكين المشاعر الزائفه قد لقوا مصير مشابه لمصير تلك الفتاه وانه دون ان يعبأ بانين ضحاياه كان يمارس نوع فريد من القتل الذي ربما لا يعاقب عليه القانون لكنه اكثر بشاعه والما من القتل المادي ... فهو الان يشعر بينما قلبه وروحه تنزف من فرط احساس بالذنب رهيب الالم انه يحتاج ان يبكي و يصلي طويلا لعل الله يمنحه الغفران