فمثلما نحن لانختار اللحظه التي تفارق فيه الروح الجسد مع سكرات الموت , فاننا لانختار متي وكيف يخفق قلبنا بالحب لاول مره
لطالما حرصت الا اقع في الحب لاني كنت ادرك تماما انه ليس من حقي , فالحب بالنسبة لي تابو محرم لا يجوز الاقتراب منه فنتيجة لعيب خلقي في القلب ولدت به صار الالم رفيق دربي التي يأبي ان يفارقني وصار شبح الموت علي موعد انتظار دائم معي , ولاني انسان ربما تكون مشكلته انه يحمل فائض من المشاعر والاحاسيس المسجونه داخل جدران الصمت
فقد حاولت ان ابحث عن صديق ربما يساعدني ان اتحرر من تلك الجدران الجليديه التي صارت تسكني لكن حتي هذه المحاولات فشلت فيها, فاصبحت اشبه بمن يمتطي قاربه وحيدا وسط بحر هائج ليس له نهايه منتهي امله ان يجد وجه بشري يانس بوجوده
لا اعلم هل الاقدار ارسلت صدفة لقائي بها للتخفيف عني ام لتزيد من عذاباتي..
كانت ليلة ممطره بدرجه ربما لم تحدث منذ فتره طويله , وكنت حينها انتظر الحافله علي مقعد المحطه حتي لاحظت فتاه مقبلة نحوي ثم مالبثت ان جلست بجواري , كانت ترتدي ملابس خفيفه وقد اخذت تسعل وهي ترتعد من شدة البرد ., اختلست نظره خاطفه لوجهها جعلتني اشعر بمشاعر واحاسيس غريبه , وكأني قابلتها او اعرفها من قبل مما اوجد لدي رغبه جامحه ان اتحدث اليها ولم يكن ذلك بدافع فضول رجل يريد ان يتعرف لفتاه بل كانت هناك قوة خفيه تجذبني اليها ..
سألتها في محاوله لالتقاط بداية خيط حديث عن الجهه التي تعزم التوجه اليها , كانت متحفظه في الرد في بداية الامر وان كنت فهمت منها انها تقطن في نفس الشارع التي يقع فيه منزلي , ثم حدث شئ غير متوقع فبينما هي تفتح حقيبتها وتبحث عن كيس المناديل الورقي اذ بصوره صغيره تسقط منها علي الارض , اسرعت بمساعدتها في التقاطها , كانت صورة طفله وقد احسست اني رايتها من قبل , ثم علت وجهي ابتسامه ادهشتها فقد تذكرت ...
انها هبه الطفله المشاغبه ورفيقة الفصل في المدرسه الابتدائيه , حاولت ان اساعدها في التذكر من خلال تعريفها بنفسي , وبالفعل لم يمضي وقت حتي وجدت وجهها يتهلل باسارير فرح طفولي لم اتوقعها ..
كانت تلك البدايه فحسب في لقائي بهبه رفيقة الدراسه التي جمعني بها القدر ثانيه في مصادفه حملت الكثير من السعاده والكثير جدا من الالم
تعددت محادثتنا فيما بعد عبر الشبكه العنكبوتيه ارتدي كل منا قناع الصداقه متجاهلين ما اخذ ينمو في الصدور , كنت اتحاشي اي عباره توحي بمشاعري الحقيقيه , لكن بعض فلتات اللسان نتيجة اللهفه كانت تفضح ما يستتر تحت رداء الصداقه , كنت بالتاكيد ادرك ان ما احمله لهبه يفوق اي شكل معروف للصداقه وان كنت لم اعترف بعد امام نفسي بذلك . كان شكل من المشاعر الانسانيه عجزت عن توصيفه او ربما خشيتي من فقدان صداقتها جعلني اتعلل بان طبيعة مشاعري هي مشكلتي وحدي ولا ذنب لها فيها ..
لكن يبدو ان لعنة السحر لم تصبني وحدي , فقد اكتشف ان هبه تبادلني مشاعري , ليسقط قناع الصداقه من علي وجهينا فجأه دون اي استعداد لذلك , لنسقط سويا في فخ الاعترافات المتبادله بالحب , كانت تلك الاعترافات ربما في ظروف مختلفه تجعني احلق من فرط السعاده , لكن ما اظهرته تلك الاعترافات لي اني ارتكبت جريمه حقيقيه عندما تركتها تهوي في شراك حب مستحيل مع انسان ينتظر موعد مع الموت , وصار حتي الاعتراف لها باني اخطأت في حقها عندما تركت بذرة الحب تنمو في قلبها امر عبثي ..
لم اكن علي استعداد ان اتركها تلعب دور البطوله في مسرحيه عبثيه تحت دعاوي التضحيه الحمقاء خاصة وقد قاربت الستاره ان تسدل للابد ...كما اني خدعتها عندما اخفيت عنها حقيقة مرضي وصار حتي دور الاستشهاد والتضحيه من اجل سعاده الحبيب شرف لا استحقه
لذا كان قراري ان ابتعد دون اي مقدمات , نعم اعلم ان تصرفي هذا يحمل الكثير من القسوة لها لكني كنت اجد السلوي ان قراري هذا يشبه مفعول الدواء المر التي يجب ان تتجرعه ومثلما كنت سبب سقمها كان علي التزام ان اداوي ما سببته لها من عذاب , رغم ان في بعض الاحيان كنت الوم نفسي مع تصوري انه ربما يكون الدواء اكثر وجعا من الداء نفسه ..
- مع ابتعادي عنها اخذت حالتي الصحيه تتدهور اكثر , ربما لان رغبتي في الحياه اخذت تتلاشي ..
- اصر اخي اليوم ان ارافقه للطبيب وهو طبيب فرنسي كان زائر لمصر وهو متخصص في جراحات القلب المفتوح وقد اخبرنا ان هناك عملية ممكن اجرائها لكن نسبه نجاحها 10% ...
- قررت اجراء العمليه فحتي الموت ارحم بكثير من معاناة ان تموت كل يوم اكثر من مره مع عذابات المرض ووجع الفراق والوحده مع اشباح الماضي
- اليوم ساجري العمليه وقد طلبت من اخي ان يرسل تلك المذكرات لهبه في حاله واحده ان فشلت العمليه , وكل ما اطلبه منها ان تسامحني وتطلب لي المغفره "
شهقت هبه من الالم وقد اخذتها نوبة نحيب هيستريه مع قرائتها اخر سطور الرساله , وقد احست برعدة صقيع وارتعاش تجتاح كل جسدها , وبصعوبه نهضت من مكانها بعد ان اغلقت الحاسوب وبخطوات متثاقله اتجهت الي السرير لكنها شعرت ان الارض تميد بها ثم مالبثت ان سقطت فاقده الوعي ..
جسم بارد يلامس جبهتها , تفتح جفنيها في تثاقل , صوره مشوشه تتضح رويدا رويدا , طالعتها ابتسامه حانيه من عصام الذي كان يبدل قطعة القماش المبلله علي جبينها من اجل خفض حرارة جسدها التي كان يلتهب من الحمي , وما ان انتبه انها افاقت حتي بادرها في لهفه
كده ترعبيني عليكي , انا لما لقيتك مغمي عليكي كنت اموت من الخوف عليكي
احست ان كلماته لاول مره تلمس قلبها , لم يكن هو ذات شعور الامتنان التي كانت تشعر به قبل ذلك , بل مشاعر مختلفه تماما لا تستطيع الان توصيفها ,, لقد ادهشها هذا التحول التي حدث في مشاعرها , نعم مشاعرها لمصطفي لم تموت خاصة بعد ان عرفت ان انسحابه من حياتها كان نبل منه ولم يكن يتلاعب بمشاعرها كما تصورت في بعض الاوقات لكن معرفتها الحقيقه بدد الوهم الكبير التي كانت تعيش فيه تحت خرافة الحب الاول , لتتحول مشاعرها لنوع من الاعزاز والتقدير لانسان نبيل لم يريد ان تتعذب من اجله , وربما حتي بقايا حب عليها الان ان تشيعها لمقبرة الذكريات ..
وقد احست فقط الان ان بذرة الحب لعصام قد تمكنت ان تقاوم وقد اخذت طريقها للنمو في قلبها..
مع مرور كل تلك الخواطر في عقلها احست بابتسامه حب واعزاز تشق طريقها لشفتيها , ثم مالبثت ان امسكت بيديه التي كانت تستعد لوضع قطعة القماش المبلله محل تلك التي جفت , وقامت باحتضان يديه ولثمها كتعبير عن مشاعر بدت وكأنها طفت دون مقدمات علي سطح وجدانها فقد ارادت لاول مره ان تخبره انها حقا تحبه..
, لكنه رغم اندهاشه الشديد لم يظهر مفاجأته لتصرفها غير المتوقع وواصل حديثه والذي اخذ طابع المداعبه وهو ينبئها بمفاجاه لم تتوقعها ..
عاوزه عتريس ولا ام سحلول
تطلعت الي وجهه في دهشه في محاوله لقراءة ما تظهره تعابيره عن ما يقصده من كلامه
لتصطدم عينيها بابتسامة التاكيد علي كلامه قد ارتسمت علي ملامح وجهه
ايوه الدكتور قال انك حامل في شهرين , تحبي تسميه ايه بقي
طفقت عينيها بالدموع وقد احست ان دموعها تلك قد نفذت الي قلبها وروحها وقد غسلتها من كل رواسب الماضي ثم قالت له وصوتها يختنق تحت وطأة الفرح والدموع
اسميها ... منه ..
طيب لو ولد .عاد يسألها مداعبا...
لم تجبه , لكنها اجابت في اعماقها ولد او بنت فهي بالتأكيد ستكون اجمل منه من الله